(حبًا في اللغة العربية) سئل ابن عباس -رضي الله عنه- عن رجل باع على رجل حريرة بمائة، ثم اشتراها بخمسين نقداً، فقال «دراهم بدراهم متفاضلة دخلت ب
حبًا في اللغة العربية
سئل ابن عباس -رضي الله عنه- عن رجل باع على رجل حريرة بمائة، ثم اشتراها بخمسين نقداً، فقال «دراهم بدراهم متفاضلة دخلت بعضها في بعض»؛ أي: إن البيع الأول تداخلت فيه الدراهم، فلم يمكن ردّ الدراهم المعينة التي أخذها منه، فكأنها اختلطت وصار بيعها بثمن مغاير لثمن الشراء الأول، فلهذا لا يصح ردّ الدراهم، بل تصير هذه الدراهم ذهباً؛ لأن البيع الثاني صير الدراهم ذهباً، فيجوز أخذ هذا الذهب في شراء الحرير، ولا يردّ الدراهم الأولى؛ لأنها اختلطت بالمال.
ومن هنا يتبين أن بيع النقد بالنقد مع التفاضل لا يجوز إذا دخل بعضهما في بعض، وإن لم يدخل جاز بنقد البلد -على الراجح-؛ لحديث النهي عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة إلا مثلاً بمثل، وهذا إنما ينطبق إذا كان المعقود عليه أحد النقدين، أما إذا كان المعقود عليه جنساً غيرهما جاز مع التفاضل؛ كبيع الدراهم بالذهب مثلاً، سواء علمت الأثمان أم لا، وسواء اشترى ذهباً بذهب ودراهم بدرهم، أو ذهباً بدرهم ودراهم بذهب؛ لعموم قوله تعالى: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾.
الحكمة من تحريم بيع النقد بالنقد مع التفاضل
وردت أحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تحرم بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، إلا مثلاً بمثل، وأما حكم العملة الورقية، فيجري فيها الخلاف السابق؛ فعلى الأول: يجوز بيعها بالنقد مع التفاضل إذا كانت نقد البلد، ولا يجوز إذا دخل بعضها في بعض، وعلى الثاني: لا يجوز مطلقاً.
وحكمة تحريم بيع النقد بالنقد مع التفاضل هي سدّ الذريعة لوقوع الربا، فإن الناس لو أُبيح لهم ذلك لاشتروا نقداً ناقصاً بثمن نقد كامل، وهذا من الربا، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: «إنما نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا سواء بسواء، عند ذلك من الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح، إلا يداً بيد، وذلك من أجل أن يتفاضلوا»، قال بعض أهل العلم: هذا الحديث فيه نهي عن بيع الجنس بالجنس إذا كان أحد الجنسين فضة أو ذهباً ونقص في الوزن، وما نقص من الوزن غاب عن البيع، وأما إذا لم يكن أحد الجنسين فضة أو ذهباً جاز بيعه بالآخر وإن نقص الوزن؛ لأن الأثمان مختلفة، فلا يحصل الربا.
ولو أُبيح لهم أيضاً لباعوا نقداً صحيحاً بنقد زائف أو مغشوش، أو رديء بحسن، وهذا أيضاً من الربا.
جواز بيع النقد بالنقد مع التفاضل لضرورة
يجوز بيع النقد بالنقد مع التفاضل لضرورة، كالذي يضطر إلى السفر وليس معه إلا بعض النقود، فيجوز أن يبيعها بنقود أخرى وإن كانت ناقصة، فإن سعر النقود يختلف باختلاف الأماكن والزمان.
قال الإمام مالك -رحمه الله-: «إذا كان الرجل في سفر وافتقر إلى النفقة وليس معه إلا دراهم، فاشترى بها من سلع المدينة ما يصلحه، ثم رجع إلى بلده وباع تلك السلع בדراهم أكثر مما اشترى بها، فلا شيء عليه، وإن كانت الدراهم نوعاً واحداً، ولا يرجع إلى قدر ما اشترى به من السلع، ولا ينظر إلى موازنة بينهما فيما اشترى وباع، ولكن ينظر في قدر ما احتاج إليه في سفره فيبيعه، فإن باع أكثر مما يحتاج إليه، ففيه الربا على ما فضل، وإن باع ما يحتاج إليه فلا شيء عليه، وإن كانت الدراهم متفاوتة، فذلك أبعد من الربا، إلا على ما نقص من قدر الدراهم التي اشترى بها السلع». وقال النووي -رحمه الله-: «قوله: (دراهم بدراهم متفاضلة)، هذا في غير موضع الضرورة، وأما في موضع الضرورة، فيجوز؛ كمن أراد السفر ولا يمكنه السفر إلا ببيع الدراهم، فيبيعهن بنقود أخرى وإن كانت ناقصة، وإن كان في بيعه لها بنقود أخرى تفضل تفاضلاً يسيراً كذلك، ففي ذلك جواز على الأصح».
وفيما يتعلق بالنقود الورقية، فيجوز بيعها مع التفاضل في الحالات التي يجوز فيها بيع النقود المعدنية مع التفاضل، كضرورة السفر ونحوه.
بيع النقد بالنقد مع التفاضل في الفقه الإسلامي
اتفق الفقهاء على عدم جواز بيع النقد بالنقد مع التفاضل إذا كانا من جنس واحد، سواء كانت عملة ذهبية أو فضية أو ورقية، إذا كان ذلك في غير حالة الضرورة، واستدلوا على ذلك بما رواه مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواء بسواء، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، والبيع بينهما جائز إذا كان يداً بيد»، وصححه الترمذي.
أما في حالة الضرورة، فيرى بعض الفقهاء جواز بيع النقد بالنقد مع التفاضل، كمن اضطر إلى السفر وليس معه إلا بعض النقود، فيجوز أن يبيعها بنقود أخرى وإن كانت ناقصة، قال الإمام مالك -رحمه الله-: «إذا كان الرجل في سفر وافتقر إلى النفقة وليس معه إلا دراهم، فاشترى بها من سلع المدينة ما يصلحه، ثم رجع إلى بلده وباع تلك السلع بدراهم أكثر مما اشترى بها، فلا شيء عليه، وإن كانت الدراهم نوعاً واحداً، ولا يرجع إلى قدر ما اشترى به من السلع، ولا ينظر إلى موازنة بينهما فيما اشترى وباع، ولكن ينظر في قدر ما احتاج إليه في سفره فيبيعه، فإن باع أكثر مما يحتاج إليه، ففيه الربا على ما فضل، وإن باع ما يحتاج إليه فلا شيء عليه، وإن كانت الدراهم متفاوتة، فذلك أبعد من الربا، إلا على ما نقص من قدر الدراهم التي اشترى بها السلع».
أقوال العلماء والفقهاء في بيع النقد بالنقد مع التفاضل
اختلف الفقهاء في مسألة بيع النقد بالنقد مع التفاضل، فذهب الإمام مالك -رحمه الله- إلى أنه يجوز بيع النقد بالنقد مع التفاضل في حالة الضرورة، كالذي يضطر إلى السفر وليس معه إلا بعض النقود، فيجوز أن يبيعها بنقود أخرى وإن كانت ناقصة، قال: «إذا كان الرجل في سفر وافتقر إلى النفقة وليس معه إلا دراهم، فاشترى بها من سلع المدينة ما يصلحه، ثم رجع إلى بلده وباع تلك السلع بدراهم أكثر مما اشترى بها، فلا شيء عليه، وإن كانت الدراهم نوعاً واحداً، ولا يرجع إلى قدر ما اشترى به من السلع، ولا ينظر إلى موازنة بينهما فيما اشترى وباع، ولكن ينظر في قدر ما احتاج إليه في سفره فيبيعه، فإن باع أكثر مما يحتاج إليه، ففيه الربا على ما فضل، وإن باع ما يحتاج إليه فلا شيء عليه، وإن كانت الدراهم متفاوتة، فذلك أبعد من الربا، إلا على ما نقص من قدر الدراهم التي اشترى بها السلع».
وذهب الإمام الشافعي -رحمه الله- إلى أنه لا يجوز بيع النقد بالنقد مع التفاضل مطلقاً، سواء في حالة الضرورة أو غيرها، واستدل على ذلك بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواء بسواء، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، والبيع بينهما جائز إذا كان يداً بيد»، وصححه الترمذي.